تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 6 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 6

6 : تفسير الصفحة رقم 6 من القرآن الكريم

** وَإِذْ قَالَ رَبّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ قَالَ إِنّيَ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
يخبر تعالى بامتنانه على بني آدم بتنويهه بذكرهم في الملأ الأعلى قبل إيجادهم, فقال تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة} أي واذكر يا محمد إذ قال ربك للملائكة واقصص على قومك ذلك, وحكى ابن جرير عن بعض أهل العربية وهو أبو عبيدة أنه زعم أن إذ ههنا زائدة وأن تقدير الكلام وقال ربك, وردّه ابن جرير, قال القرطبي وكذا رده جميع المفسرين حتى قال الزجاج هذا اجتراء من أبي عبيدة {إني جاعل في الأرض خليقة} أي قوماً يخلف بعضهم بعضاً قرناً بعد قرن وجيلاً بعد جيل كما قال تعالى: {هو الذي جعلكم خلائف الأرض} قال: {ويجعلكم خلفاء الأرض} وقال: {ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون} وقال: {فخلف من بعدهم خلف} وقرى في الشاذ: {إني جاعل في الأرض خليقة} حكاها الزمخشري وغيره, ونقل القرطبي عن زيد بن علي وليس المراد ههنا بالخليفة آدم عليه السلام فقط كما يقوله طائفة من المفسرين, وعزاه القرطبي إلى ابن عباس وابن مسعود وجميع أهل التأويل وفي ذلك نظر بل الخلاف في ذلك كثير حكاه الرازي في تفسيره وغيره والظاهر أنه لم يرد آدم عيناً إذ لو كان ذلك لما حسن قول الملائكة: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} فإنهم أرادوا أن من هذا الجنس من يفعل ذلك وكأنهم علموا ذلك بعلم خاص أو بما فهموه من الطبيعة البشرية, فإنه أخبرهم أنه يخلق هذا الصنف من صلصال من حمإ مسنون أو فهموا من الخليفة أنه الذي يفصل بين الناس ما يقع بينهم من المظالم ويردعهم عن المحارم والمآثم, قاله القرطبي: أو أنهم قاسوهم على من سبق كما سنذكر أقوال المفسرين في ذلك, وقول الملائكة هذا ليس على وجه الاعتراض على الله ولا على وجه الحسد لبني آدم كما قد يتوهمه بعض المفسرين, وقد وصفهم الله تعالى بأنهم لا يسبقونه بالقول أي لا يسألونه شيئاً لم يأذن لهم فيه, وههنا لما أعلمهم بأنه سيخلق في الأرض خلقاً, قال قتادة: وقد تقدم إليهم أنهم يفسدون فيها, فقالوا: {أتجعل قيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} الاَية, وإنما هو سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك يقولون: يا ربنا ما الحكمة في خلق هؤلاء مع أن منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء, فإن كان المراد عبادتك فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك أي نصلي لك كما سيأتي. أي ولا يصدر منا شيء من ذلك, وهلا وقع الاقتصار علينا ؟ قال الله تعالى مجيباً لهم عن هذا السؤال: {إني أعلم مالا تعلمون} أي إني أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد التي ذكرتموها مالا تعلمون أنتم فإني جاعل فيهم الأنبياء وأرسل فيهم الرسل ويوجد منهم الصديقون والشهداء والصالحون والعباد والزهاد والأولياء والأبرار والمقربون والعلماء والعاملون والخاشعون والمحبون له تبارك وتعالى المتبعون رسله صلوات الله وسلامه عليهم, وقد ثبت في الصحيح أن الملائكة إذا صعدت إلى الرب تعالى بأعمال عباده يسألهم وهو أعلم: كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون. وذلك لأنهم يتعاقبون فينا ويجتمعون في صلاة الصبح وفي صلاة العصر, فيمكث هؤلاء ويصعد أولئك بالأعمال كما قال عليه الصلاة والسلام: «يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل» فقولهم: أتيناهم وهم يصلون وتركناهم هم يصلون من تفسير قوله لهم: {إني أعلم ما لا تعلمون}, وقيل معنى قوله تعالى جواباً لهم: {إني أعلم ما لا تعلمون} إني لي حكمة مفصلة في خلق هؤلاء والحالة ما ذكرتم لا تعلمونها, قيل إنه جواب {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} فقال: {إني أعلم ما لا تعلمون} أي من وجود إبليس بينكم وليس هو كما وصفتم أنفسكم به. وقيل بل تضمن قولهم: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} طلباً منهم أن يسكنوا الأرض بدل بن آدم, فقال الله تعالى لهم: {إني أعلم ما لا تعلمون} من أن بقاءكم في السماء أصلح لكم وأليق بكم. ذكرها الرازي مع غيرها من الأجوبة, والله أعلم.

ذكر أقوال المفسرين ببسط ما ذكرناه
قال ابن جرير: حدثني القاسم بن الحسن قال: حدثنا الحسين قال: حدثني الحجاج عن جرير بن حازم ومبارك عن الحسن وأبي بكر عن الحسن وقتادة قالوا: قال الله للملائكة: إني جاعل في الأرض خليفة, قال لهم إني فاعل وهذا معناه أنه أخبرهم بذلك, وقال السدي استشار الملائكة في خلق آدم, رواه ابن أبي حاتم قال: وروي عن قتادة نحوه وهذه العبارة إن لم ترجع إلى معنى الإخبار ففيها تساهل, وعبارة الحسن وقتادة في رواية ابن جرير أحسن والله أعلم {في الأرض}. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أبو سلمة حدثنا حماد حدثنا عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن سابط أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {دحيت الأرض من مكة وأول من طاف بالبيت الملائكة. فقال الله: إني جاعل في الأرض خليفة يعني مكة} وهذا مرسل, وفي سنده ضعف وفيه مدرج وهو أن المراد بالأرض مكة, والله أعلم, فإن الظاهر أن المراد بالأرض أعم من ذلك {خليفة} قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة أن الله تعالى قال للملائكة: إني جاعل في الأرض خليفة. قالوا: ربنا وما يكون ذاك الخليفة ؟ قال: يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضاً. قال ابن جرير: فكان تأويل الاَية على هذا إني جاعل في الأرض خليفة مني يخلفني في الحكم بالعدل بين خلقي وإن ذلك الخليفة هو آدم ومن قام مقامه في طاعة الله والحكم بالعدل بين خلقه, وأما الافساد وسفك الدماء بغير حقها فمن غير خلفائه: قال ابن جرير وإنما معنى الخلافة التي ذكرها الله, إنما هي خلافة قرن منهم قرناً, قال: والخليفة الفعيلة من قولك خلف فلان فلاناً في هذا الأمر إذا قام مقامه فيه بعده كما قال تعالى: {ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون}, ومن ذلك قيل للسلطان الأعظم خليفة لأنه خلف الذي كان قبله فقام بالأمر فكان منه خلفاً, قال: وكان محمد بن إسحاق يقول في قوله تعالى: {إني جاعل في الأرض خليفة}, يقول ساكناً وعامراً يعمرها ويسكنها خلقاً ليس منكم. قال ابن جرير: وحدثنا أبو كريب حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس قال: إن أول من سكن الأرض الجن, فأفسدوا فيها وسفكوا فيها الدماء وقتل بعضهم بعضاً, قال فبعث الله إليهم إبليس فقتلهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال, ثم خلق فأسكنه إياها, فلذلك قال: {إني جاعل في الأرض خليفة}. وقال سفيان الثوري عن عطاء بن السائب عن ابن سابط: {إني جاعل في الأرض خليفة, قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} قال: يعنون به بني آدم, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال الله للملائكة: إني أريد أن أخلق في الأرض خلقاً وأجعل فيها خليفة وليس لله عز وجل خلق إلا الملائكة والأرض وليس فيها خلق, قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها. وقد تقدم ما رواه السدي عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما من الصحابة: أن الله أعلم الملائكة بما تفعله ذرية آدم فقالت الملائكة ذلك, وتقدم آنفاً ما رواه الضحاك عن ابن عباس أن الجن أفسدوا في الأرض قبل بني آدم, فقالت الملائكة ذلك فقاسوا هؤلاء بأولئك. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن بكر بن الأخنس عن مجاهد عن عبد الله بن عمر, قال: كان الجن بنو الجان في الأرض قبل أن يخلق آدم بألفي سنة, فأفسدوا في الأرض وسفكوا الدماء فبعث الله جنداً من الملائكة فضربوهم حتى ألحقوا بجزائر البحور فقال الله للملائكة: إني جاعل في الأرض خليفة, قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ؟ قال إني أعلم ما لا تعلمون. وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى: {إني جاعل في الأرض خليفة ـ إلى قوله ـ وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} قال خلق الله الملائكة يوم الأربعاء وخلق الجن يوم الخميس وخلق آدم يوم الجمعة, فكفر قوم من الجن فكانت الملائكة تهبط إليهم في الأرض فتقاتلهم ببغيهم, وكان الفساد في الأرض, فمن ثم قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها كما أفسدت الجن ويسفك الدماء كما سفكوا, قال ابن أبي حاتم وحدثنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا مبارك بن فضالة حدثنا الحسن قال: قال الله للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة, قال لهم إني فاعل فآمنوا بربهم فعلمهم علماً وطوى علماً علمه ولم يعلموه, فقالوا بالعلم الذي علمهم أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ؟ قال إني أعلم ما لا تعلمون. قال الحسن: إن الجن كانوا في الأرض يفسدون ويسفكون الدماء, ولكن جعل الله في قلوبهم أن ذلك سيكون, فقالوا بالقول الذي علمهم. وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله: {أتجعل فيها من يفسد فيه} كان الله أعلمهم أنه إذا كان في الأرض خلق أفسدوا فيها وسفكوا الدماء, فذلك حين قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا هشام الرازي حدثنا ابن المبارك عن معروف يعني ابن خربوذ المكي عمن سمع أبا جعفر محمد بن علي يقول السجل ملك, وكان هاروت وماروت من أعوانه, وكان له في كل يوم ثلاث لمحات في أم الكتاب, فنظر نظرة لم تكن له فأبصر فيها خلق آدم وما كان فيه من الأمور فأسر إلى هاروت وماروت وكانا في أعوانه قلما قال تعالى, {إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء}. قال ذلك استطالة على الملائكة. وهذا أثر غريب وبتقدير صحته إلى أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين الباقر فهو نقله عن أهل الكتاب, وفيه نكارة توجب رده, والله أعلم, ومقتضاه أن الذين قالوا ذلك إنما كانوا اثنين فقط, وهو خلاف السياق وأغرب منه ما رواه ابن أبي حاتم أيضاً حيث قال: حدثنا أبي حدثنا هشام بن أبي عبيد الله حدثنا عبد الله بن يحيى بن أبي كثير قال: سمعت أبي يقول إن الملائكة الذين قالوا: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} كانوا عشرة آلاف فخرجت نار من عند الله فأحرقتهم, وهذا أيضاً إسرائيلي منكر كالذي قبله, والله أعلم. قال ابن جريج وإنما تكلموا بما أعلمهم الله أنه كائن من خلق آدم فقالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء وقال ابن جرير وقال بعضهم إنما قالت الملائكة ما قالت أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء لأن الله أذن لهم في السؤال عن ذلك بعد ما أخبرهم أن ذلك كائن من بني آدم, فسألته الملائكة فقالت على التعجب منها: وكيف يعصونك يا رب وأنت خالقهم ؟ فأجابهم ربهم {إني أعلم ما لا تعلمون} يعني أن ذلك كائن منهم وإن لم تعلموه أنتم, ومن بعض ما ترونه لي طائعاً قال: وقال بعضهم ذلك من الملائكة على وجه الاسترشاد عما لم يعلموه من ذلك, فكأنهم قالوا يا رب خبرنا ـ مسألة استخبار منهم لا على وجه الإنكار ـ واختاره ابن جرير, وقال سعيد عن قتادة قوله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة} قال استشار الملائكة في خلق آدم, فقالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ـ وقد علمت الملائكة أنه لا شيء أكره عند الله من سفك الدماء والفساد في الأرض ـ ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك, قال إني أعلم ما لا تعلمون فكان في علم الله أنه سيكون من ذلك الخليفة أنبياء ورسل وقوم صالحون وساكنو الجنة, قال وذكر لنا عن ابن عباس أنه كان يقول: إن الله لما أخذ في خلق آدم عليه السلام قالت الملائكة ما الله خالق خلقاً أكرم عليه منا ولا أعلم منا فابتلوا بخلق آدم, وكل خلق مبتلى كما ابتليت السموات والأرض بالطاعة فقال الله تعالى: {ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين} وقوله تعالى: {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة, قال: التسبيح التسبيح والتقديس الصلاة, وقال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة ونحن نسبح بحمد ونقدس لك قال يقولون نصلي لك, وقال مجاهد ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك, قال نعظمك ونكبرك, وقال الضحاك التقديس التطهير, وقال محمد بن إسحاق ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك, قال: لا نعصي ولا نأتي شيئاً تكرهه. وقال ابن جرير التقديس هو التعظيم والتطهير. ومنه قولهم سبوح قدوس يعني بقولهم سبوح تنزيه له, وبقولهم قدوس طهارة وتعظيم له, وكذلك قيل للأرض أرض مقدسة يعني بذلك المطهرة, فمعنى قول الملائكة إذاً {ونحن نسبح بحمدك} ننزهك ونبرئك مما يضيفه إليك أهل الشرك بك {ونقدس لك} ننسبك إلى ما هو من صفاتك من الطهارة من الأدناس وما أضاف إليك أهل الكفر بك. وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الكلام أفضل ؟ قال: «ما اصطفى الله لملائكته سبحان الله وبحمده» وروى البيهقي عن عبدالرحمن بن قرط أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به سمع تسبيحاً في السموات العلا «سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى» {قال إني أعلم ما لا تعلمون} قال قتادة فكان في علم الله أنه سيكون في تلك الخليفة أنبياء ورسل وقوم صالحون وساكنو الجنة. وسيأتي عن ابن مسعود وابن عباس وغير واحد من الصحابة والتابعين أقول في حكمة قوله تعالى: {قال إني أعلم ما لا تعملون}.
وقد استدل القرطبي وغيره بهذه الاَية على وجوب نصب الخليفة ليفصل بين الناس فيما اختلفوا فيه ويقطع تنازعهم وينتصر لمظلوهم من ظالمهم ويقيم الحدود ويزجر عن تعاطي الفواحش إلى غير ذلك من الأمور المهمة التي لا تمكن إقامتها إلا بالإمام وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. والإمامة تنال بالنص كما يقوله طائفة من أهل السنة في أبي بكر, أو بالإيماء إليه كما يقول آخرون منهم, أو باستخلاف الخليفة آخر بعده كما فعل الصديق بعمر بن الخطاب أو بتركه شورى في جماعة صالحين كذلك كما فعله عمر, أو باجتماع أهل الحل والعقد على مبايعته أو بمبايعته واحد منهم له فيجب التزامها عند الجمهور وحكى على ذلك إمام الحرمين الإجماع. والله أعلم. أو بقهر واحد الناس على طاعته فتجب لئلا يؤدي ذلك إلى الشقاق والاختلاف. وقد نص عليه الشافعي وهل يجب الإشهاد على عقد الإمام ؟ فيه خلاف, فمنهم من قال لا يشترط وقيل بلى ويكفي شاهدان, وقال الجبائي يجب أربعة وعاقد ومعقود له, كما ترك عمر رضي الله عنه الأمر شورى بين ستة فوقع الأمر على عاقد وهو عبد الرحمن بن عوف, ومعقود له وهو عثمان, واستنبط وجوب الأربعة الشهود من الأربعة الباقين وفي هذا نظر, والله أعلم.
ويجب أن يكون ذكراً حراً بالغاً عاقلاً مسلماً عدلاً مجتهداً بصيراً خبيراً سليم الأعضاء بالحروب والاَراء قرشياً على الصحيح ولا يشترط الهاشمي ولا المعصوم من الخطأ خلافاً للغلاة الروافض, ولو فسق الإمام هل ينعزل أم لا ؟ فيه خلاف, والصحيح أنه لا ينعزل لقوله عليه الصلاة السلام, «إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان» وهل له أن يعزل نفسه فيه خلاف, وقد عزل الحسن بن علي رضي الله عنه نفسه وسلم الأمر إلى معاوية لكن هذا لعذر وقد مدح على ذلك, فأما نصب إمامين في الأرض أو أكثر فلا يجوز لقوله عليه الصلاة والسلام «من جاءكم وأمركم جميع يريد أن يفرق بينكم فاقتلوه كائناً من كان» وهذا قول الجمهور, وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد منهم إمام الحرمين, وقالت الكرامية يجوز اثنان فأكثر كما كان علي و معاوية إمامين واجبي الطاعة, قالوا وإذا جاز بعث نبيين في وقت واحد وأكثر جاز ذلك في الإمام لأن النبوة أعلى رتبة بلا خلاف, وحكى إمام الحرمين عن الأستاذ أبي إسحاق أنه جوز نصب إمامين فأكثر إذا تباعدت الأقطار واتسعت الأقاليم بينهما, وتردد إمام الحرمين في ذلك, قلت وهذا يشبه حال الخلفاء بني العباس بالعراق والفاطميين بمصر والأمويين بالمغرب ولنقرر هذا كله في موضع آخر من كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى.

** وَعَلّمَ آدَمَ الأسْمَآءَ كُلّهَا ثُمّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـَؤُلآءِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاّ مَا عَلّمْتَنَآ إِنّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَاآدَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لّكُمْ إِنِيَ أَعْلَمُ غَيْبَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ
هذا مقام ذكر الله تعالى فيه شرف آدم على الملائكة بما اختصه من علم أسماء كل شيء دونهم وهذا كان بعد سجودهم له,وإنما قدم هذا الفصل على ذلك لمناسبة ما بين المقام وعدم علمهم بحكمة خلق الخليفة حين سألوا عن ذلك, فأخبرهم تعالى بأنه يعلم ما لا يعلمون, ولهذا ذكر الله هذا المقام عقيب هذا ليبين لهم شرف آدم بما فضل به عليهم في العلم فقال تعالى: {وعلم آدم الأسماء كله} قال السدي عمن حدثه عن ابن عباس {وعلم آدم الأسماء كله} قال: علمه أسماء ولده إنساناً إنساناً والدواب فقيل: هذا الحمار, هذا الجمل, هذا الفرس, وقال الضحاك عن ابن عباس {وعلم آدم الأسماء كله} قال: هي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس إنسان ودابة وسماء وأرض وسهل وبحر وخيل وحمار وأشباه ذلك من الأمم وغيرها, وروى ابن أبي حاتم وابن جرير من حديث عاصم بن كليب عن سعيد بن معبد عن ابن عباس {وعلم آدم الأسماء كله} قال علمه اسم الصحفة والقدر, قال نعم حتى الفسوة والفسية, وقال مجاهد {وعلم آدم الأسماء كله} قال علمه اسم كل دابة وكل طير وكل شيء, كذلك روي عن سعيد بن جبير وقتادة وغيرهم من السلف أنه علمه أسماء كل شيء, وقال الربيع في رواية عن أسماء الملائكة. وقال حميد الشامي أسماء النجوم. وقال عبد الرحمن بن زيد علمه أسماء ذريته كلهم, واختار ابن جرير أنه علمه أسماء الملائكة وأسماء الذرية لأنه قال {ثم عرضهم} وهذا عبارة عما يعقل وهذا الذي رجح به ليس بلازم, فإنه لا ينفي أن يدخل معهم غيرهم, ويعبر عن الجميع بصيغة من يعقل للتغليب كما قال تعالى {والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير} وقد قرأ عبد الله بن مسعود ثم عرضهن, وقرأ أبي بن كعب ثم عرضها أي المسميات. والصحيح أنه علمه أسماء الأشياء كلها ذواتها وصفاتها وأفعالها كما قال ابن عباس حتى الفسوة والفسية يعني أسماء الذوات والأفعال المكبر والمصغر, ولهذا قال البخاري في تفسير هذه الاَية في كتاب التفسير من صحيحه: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن قتادة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وقال لي خليفة: حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيأتون آدم فيقولون أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء فاشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا, فيقول لست هناكم, ويذكر ذنبه فيستحي. ائتوا نوحاً فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض فيأتونه فيقول لست هناكم, ويذكر سؤاله ربه ما ليس له به علم فيستحي. فيقول ائتوا خليل الرحمن, فيأتونه فيقول لست هناكم, فيقول ائتوا موسى عبداً كلمه الله وأعطاه التوراة فيقول لست هناكم. فيذكر قتل النفس بغير نفس فيستحي من ربه. فيقول ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمة الله وروحه فيأتونه فيقول لست هناكم ائتوا محمداً عبداً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيأتوني فأنطلق حتى أستأذن على ربي فيأذن لي فإذا رأيت ربي وقعت ساجداً فيدعني ما شاء الله ثم يقال: ارفع رأسك وسل تعطه وقل يسمع واشفع تشفع, فأرفع رأسي فأحمده بتحميد يعلمنيه ثم أشفع فيحد لي حداً فأدخلهم الجنة ثم أعود إليه فإذا رأيت ربي مثله ثم أشفع فيحد لي حداً فأدخلهم الجنة ثم أعود الثالثة ثم أعود الرابعة فأقول ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود» هكذا ساق البخاري هذا الحديث ههنا, وقد رواه مسلم والنسائي من حديث هشام وهو ابن أبي عبد الله الدستوائي عن قتادة به, وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه من حديث سعيد وهو ابن أبي عروبة عن قتادة, ووجه إيراده ههنا, والمقصود منه قوله عليه الصلاة والسلام فيأتون آدم فيقولون أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء. فدل هذا على أنه علمه أسماء جميع المخلوقات, ولهذا قال {ثم عرضهم على الملائكة} يعني المسميات كما قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة, قال ثم عرض تلك الأسماء على الملائكة {فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين} وقال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة {وعلم آدم الأسماء كله} ثم عرض الخلق على الملائكة, وقال ابن جريج عن مجاهد ثم عرض أصحاب الأسماء على الملائكة, وقال ابن جرير: حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثني الحجاج عن جرير بن حازم ومبارك بن فضالة عن الحسن وأبي بكر عن الحسن وقتادة قالا: علمه اسم كل شيء, وجعل يسمي كل شيء باسمه وعرضت عليه أمة أمة, وبهذا الإسناد عن الحسن وقتادة في قوله تعالى: {إن كنتم صادقين} إني لم أخلق خلقاً إلا كنتم أعلم منه فأخبروني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين, وقال الضحاك عن ابن عباس {إن كنتم صادقين} إن كنتم تعلمون أني لم أجعل في الأرض خليفة, وقال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة إن كنتم صادقين أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء, وقال ابن جرير وأولى الأقوال في ذلك تأويل ابن عباس ومن قال بقوله, ومعنى ذلك فقال أنبئوني بأسماء من عرضته عليكم أيها الملائكة القائلون أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء. من غيرنا أم منا فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك. إن كنتم صادقين في قيلكم إني إن جعلت خليفتي في الأرض من غيركم عصاني وذريته وأفسدوا وسفكوا الدماء وإن جعلتكم فيها أطعتموني واتبعتم أمري بالتعظيم لي والتقديس, فإذا كنتم لا تعلمون أسماء هؤلاء الذين عرضت عليكم وأنتم تشاهدونهم فأنتم بما هو غير موجود من الأمور الكائنة التي لم توجد أحرى أن تكونوا غير عالمين {قالوا سبحانك لا علم لنا إلاَ ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم} هذا تقديس وتنزيه من الملائكة لله تعالى أن يحيط أحد بشيء من علمه إلا بما شاء وأن يعلموا شيئاً إلا ما علمهم الله تعالى ولهذا قالوا {سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم} أي العليم بكل شيء الحكيم في خلقك وأمرك وفي تعليمك من تشاء ومنعك من تشاء لك الحكمة في ذلك والعدل التام. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا حفص بن غياث عن حجاج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس: سبحان الله, قال تنزيه الله نفسه عن السوء, ثم قال عمر لعلي وأصحابه عنده لا إله إلا الله قد عرفناه, فما سبحان الله ؟ فقال لي علي: كلمة أحبها الله لنفسه ورضيها وأحب أن تقال, قال: وحدثنا أبي حدثنا ابن نفيل حدثنا النضر بن عربي قال: سأل رجل ميمون بن مهران عن سبحان الله, قال: اسم يعظم الله به, ويحاشى به من السوء.
قوله تعالى: {قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} قال زيد بن أسلم قال أنت جبرائيل أنت ميكائيل أنت إسرافيل حتى عدد الأسماء كلها حتى بلغ الغراب, وقال مجاهد في قول الله {قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم} قال اسم الحمامة والغراب واسم كل شيء, وروي عن سعيد بن جبير والحسن وقتادة نحو ذلك, فلما ظهر آدم عليه السلام على الملائكة عليهم السلام في سرده ما علمه الله تعالى من أسماء الأشياء, قال الله تعالى للملائكة {ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} أي ألم أتقدم إليكم إني أعلم الغيب الظاهر والخفي كما قال تعالى {وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى} وكما قال إخباراً عن الهدهد أنه قال لسليمان {ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون * الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم} وقيل في قوله تعالى: {وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} غير ما ذكرناه, فروى الضحاك عن ابن عباس {وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} قال يقول: أعلم السر كما أعلم العلانية يعني ما كتم إبليس في نفسه من الكبر والاغترار, وقال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة قال قولهم أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء الاَية, فهذا الذي أبدوا {وما كنتم تكتمون} يعني ما أسر إبليس في نفسه من الكبر وكذلك قال سعيد بن جبير ومجاهد والسدي والضحاك الثوري. واختار ذلك ابن جرير وقال أبو العالية والربيع بن أنس والحسن وقتادة هو قولهم لم يخلق ربنا خلقاً إلا كنا أعلم منه وأكرم عليه منه, وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس {وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} فكان الذي أبدوا هو قولهم: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء, وكان الذي كتموا بينهم هو قولهم لن يخلق ربنا خلقاً إلا كنا نحن أعلم منه وأكرم, فعرفوا أن الله فضل عليهم آدم في العلم والكرم, وقال ابن جرير: حدثنا يونس حدثنا ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قصة الملائكة وآدم, فقال الله للملائكة: كما لم تعلموا هذه الأسماء فليس لكم علم إنما أردت أن أجعلهم ليفسدوا فيها, هذا عندي قد علمته ولذلك أخفيت عنكم أني أجعل فيها من يعصيني ومن يطيعني, قال وقد سبق من الله {لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} قال: ولم تعلم الملائكة ذلك ولم يدروه, فقال: فلما رأوا ما أعطى الله آدم من العلم أقروا له بالفضل. وقال ابن جرير وأولى الأقوال في ذلك قول ابن عباس وهو أن معنى قوله تعالى: {وأعلم ما تبدون} وأعلم مع علمي غيب السموات والأرض وما تظهرونه بألسنتكم وما كنتم تخفون في أنفسكم, فلا يخفى علي أي شيء سواء عندي سرائركم وعلانيتكم والذي أظهروه بألسنتهم قولهم: أتجعل فيها من يفسد فيها, والذي كانوا يكتمون ما كان عليه منطوياً إبليس من الخلاف على الله في أوامره والتكبر عن طاعته, قال: وصح ذلك كما تقول العرب قتل الجيش وهزموا, وإنما قتل الواحد أو البعض وهزم الواحد أو البعض, فيخرج الخبر عن المهزوم منه والمقتول مخرج الخبر عن جميعهم كما قال تعالى: {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات} ذكر أن الذي نادى إنما كان واحداً من بني تميم, قال وكذلك قوله {وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون}.

** وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لاَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاّ إِبْلِيسَ أَبَىَ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
وهذه كرامة عظيمة من الله تعالى لاَدم امتن بها على ذريته حيث أخبر أنه تعالى أمر الملائكة بالسجود لاَدم, وقد دل على ذلك أحاديث أيضاً كثيرة منها حديث الشفاعة المتقدم, وحديث موسى عليه السلام «رب أرني آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة, فلما اجتمع به قال أنت آدم الذي خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته» وقال وذكر الحديث كما سيأتي إن شاء الله. وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب, حدثنا عثمان بن سعيد, حدثنا بشر بن عمارة عن أبي روق, عن الضحاك, عن ابن عباس, قال: كان إبليس من حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجن, خلقوا من نار السموم من بين الملائكة, وكان اسمه الحارث, وكان خازناً من خزان الجنة, قال: وخلقت الملائكة كلهم من نور غير هذا الحي, قال: وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار وهو لسان النار الذي يكون فيه طرفها إذا ألهبت, قال: وخلق الانسان من طين, فأول من سكن الأرض الجن فأفسدوا فيها, وسفكوا الدماء, وقتل بعضهم بعضاً, قال: فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة وهم هذا الحي الذي يقال لهم الجن فقتلهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال فلما فعل إبليس ذلك اغتر في نفسه, فقال: قد صنعت شيئاً لم يصنعه أحد, قال: فاطلع الله على ذلك من قلبه ولم تطلع عليه الملائكة الذين كانوا معه فقال الله للملائكة الذين كانوا معه: {إني جاعل في الأرض خليفة}. فقالت الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء كما أفسدت الجن وسفكت الدماء, وإنما بعثتنا عليهم لذلك ؟ فقال الله تعالى. {إني أعلم ما لا تعلمون} يقول إني اطلعت من قلب إبليس على ما لم تطلعوا عليه, من كبره واغتراره, قال: ثم أمر بتربة آدم فرفعت, فخلق الله آدم من طين لازب, واللازب اللازج الصلب من حمأٍ مسنون منتن, وإنما كان حمأ مسنوناً بعد التراب, فخلق منه آدم بيده, قال: فمكث أربعين ليلة جسداً ملقى, وكان إبليس يأتيه فيضربه برجله فيصلصل فيصوت, فهو قول الله تعالى {من صلصال كالفخار} يقول كالشيء المنفرج الذي ليس بمصمت, قال: ثم يدخل في فيه ويخرج من دبره, ويخرج من فيه, ثم يقول لست شيئاً للصلصلة ولشيء ما خلقت, ولئن سلطت عليك لأهلكنك, ولئن سلطت عليّ لأعصينك, قال: فلما نفخ الله فيه روحه أتت النفخة من قبل رأسه فجعل لا يجري شيء منها في جسده إلا صار لحماً ودماً, فلما انتهت النفخة إلى سرته نظر إلى جسده فأعجبه ما رأى من جسده فذهب لينهض فلم يقدر, فهو قول الله تعالى {وخلق الإنسان عجول} قال ضجراً لا صبر له على سراء ولا ضراء قال: فلما تمت النفخة في جسده عطس فقال {الحمد لله رب العالمين} بإلهام الله, فقال الله له «يرحمك الله يا آدم» قال: ثم قال تعالى للملائكة الذين كانوا مع إبليس خاصة دون الملائكة الذين في السموات. اسجدوا لاَدم فسجدوا كلهم إلا إبليس أبى واستكبر لما كان حدث نفسه من الكبر والاغترار, فقال: لا أسجد له وأنا خير منه وأكبر سناً وأقوى خلقاً, خلقتني من نار وخلقته من طين, يقول إن النار أقوى من الطين, قال: فلما أبى إبليس أن يسجد أبلسه الله, أي آيسه من الخير كله وجعله شيطاناً رجيماً عقوبة لمعصيته, ثم علم آدم الأسماء كلها وهي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس: إنسان ودابة وأرض وسهل وبحر وجبل وحمار وأشبه ذلك من الأمم وغيرها ثم عرض هذه الأسماء على أولئك الملائكة يعني الملائكة الذين كانوا مع إبليس الذين خلقوا من نار السموم, وقال لهم {أنبئوني بأسماء هؤلاء} أي يقول أخبروني بأسماء هؤلاء {إن كنتم صادقين} إن كنتم تعلمون, لم أجعل في الأرض خليفة, قال: فلما علمت الملائكة موجدة الله عليهم فيما تكلموا به من علم الغيب الذي لا يعلمه غيره الذي ليس لهم به علم {قالوا سبحانك} تنزيهاً لله من أن يكون أحد يعلم الغيب غيره تبنا إليك {لا علم لنا إلا ما علمتن} تبرياً منهم من علم الغيب إلا ما علمتنا كما علمت آدم فقال {يا آدم أنبئهم بأسمائهم} يقول أخبرهم بأسمائهم {فلما أنبأهم بأسمائهم, قال: ألم أقل لكم} أيها الملائكة خاصة {إني أعلم غيب السموات والأرض} ولا يعلم غيري {وأعلم ما تبدون} يقول ما تظهرون {وما كنتم تكتمون} يقول أعلم السر كما أعلم العلانية, يعني ما كتم إبليس في نفسه من الكبر والاغترار, هذا سياق غريب وفيه أشياء فيها نظر يطول مناقشتها وهذا الإسناد إلى ابن عباس يروى به تفسير مشهور, وقال السدي في تفسيره عن أبي مالك, وعن أبي صالح, عن ابن عباس وعن مرة, عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: لما فرغ الله من خلق ما أحب استوى على العرش. فجعل إبليس على ملك السماء الدنيا, وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم الجن, وإنما سموا الجن لأنهم خزان الجنة, وكان إبليس مع ملكه خازناً فوقع في صدره الكبر وقال ما أعطاني الله هذا إلا لميزة لي على الملائكة, فلما وقع ذلك الكبر في نفسه اطلع الله على ذلك منه, فقال الله للملائكة {إني جاعل في الأرض خليفة} فقالوا: ربنا وما يكون ذلك الخليفة ؟ قال: يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضاً, قالوا: {ربنا أتجعل فيها من يفسد فيها, ويسفك الدماء, ونحن نسبحّ بحمدك ونقدس لك ؟ قال إني أعلم ما لا تعلمون} يعني من شأن إبليس فبعث الله جبريل إلى الأرض ليأتيه بطين منها, فقالت الأرض: إني أعوذ با لله منك أن تنقص مني أو تشينني, فرجع ولم يأخذ, وقال: يا رب إنها عاذت بك فأعذتها, فبعث ميكائيل فعاذت منه فأعاذها, فرجع فقال كما قال جبريل, فبعث ملك الموت فعاذت منه فقال وأنا أعوذ با لله أو أرجع ولم أنفذ أمره, فأخذ من وجه الأرض وخلط ولم يأخذ من مكان واحد وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء فلذلك خرج بنو آدم مختلفين فصعد به فبل التراب حتى عاد طيناً لازباً, واللازب هو الذي يلتزق بعضه ببعض, ثم قال للملائكة {إني خالق بشراً من طين * فإذا سويته ونفخت فيه روحي فقعوا له ساجدين} فخلقه الله بيده لئلا يتكبر إبليس عنه ليقول له تتكبر عما عملت بيدي ولم أتكبر أنا عنه بخلقه بشراً, فكان جسداً من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة, فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه, فكان أشدهم فزعاً منه إبليس فكان يمر به فيضربه فيصوت الجسد كما يصوت الفخار يكون له صلصلة, فذلك حين يقول {من صلصال كالفخار} يقول لأمر ما خلقت, ودخل من فيه وخرج من دبره وقال للملائكة: لا ترهبوا من هذا فإن ربكم صمد وهذا أجوف, لئن سلطت عليه لأهلكنه, فلما بلغ الحين الذي يريد الله عز وجل أن ينفخ فيه الروح, قال الملائكة: إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له, فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح في رأسه عطس فقالت الملائكة قل الحمد لله, فقال الحمد لله, فقال له الله «رحمك ربك» فلما دخلت الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة, فلما دخل الروح إلى جوفه اشتهى الطعام فوثب قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة فذلك حين يقول الله تعالى {خلق الإنسان من عجل} فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين, أبى واستكبر وكان من الكافرين, قال الله له: ما منعك أن تسجد إذ أمرتك لما خلقت بيدي ؟ قال أنا خير منه لم أكن لأسجد لبشر خلقته من طين قال الله له: {فاهبط منها فما يكون لك} يعني ما ينبغي لك {أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين} والصغار هو الذل, قال {وعلم آدم الأسماء كله} ثم عرض الخلق على الملائكة فقال {أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين} أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء, فقالوا: {سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم} قال الله: {يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم وما تبدون ما كنتم تكتمون} قال: قولهم {أتجعل فيها من يفسد فيه} فهذا الذي أبدوا {وأعلم ما تكتمون} يعني ما أسر إبليس في نفسه من الكبر, فهذا الإسناد إلى هؤلاء الصحابة مشهور في تفسير السدي ويقع فيه إسرائيليات كثيرة, فلعل بعضها مدرج ليس من كلام الصحابة, أو أنهم أخذوا من بعض الكتب المتقدمة, والله أعلم. والحاكم يروي في مستدركه بهذا الإسناد بعينه ويقول أشياء ويقول على شرط البخاري.
والغرض أن الله تعالى لما أمر الملائكة بالسجود لاَدم, دخل إبليس في خطابهم لأنه وإن لم يكن من عنصرهم إلا أنه كان قد تشبه بهم وتوسم بأفعالهم, فلهذا دخل في الخطاب لهم وذم في مخالفة الأمر, وسنبسط المسألة إن شاء الله تعالى عند قوله: {إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه} ولذا قال محمد بن إسحاق عن خلاد عن عطاء عن طاوس عن ابن عباس, قال: كان إبليس قبل أن يركب المعصية من الملائكة اسمه عزازيل وكان من سكان الأرض وكان من أشد الملائكة اجتهاداً, وأكثرهم علماً, فذلك دعاه إلى الكبر, وكان من حي يسمونه جناً, وفي رواية عن خلاد عن عطاء عن طاوس أو مجاهد عن ابن عباس أو غيره بنحوه, وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا عباد يعني ابن العوام عن سفيان بن حسين عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس, قال: كان إبليس اسمه عزازيل, وكان من أشرف الملائكة من ذوي الأجنحة الأربعة, ثم أبلس بعد وقال سنيد, عن حجاج عن ابن جريج, قال: قال ابن عباس: كان إبليس من أشراف الملائكة وأكرمهم قبيلة, وكان خازناً على الجنان, وكان له سلطان سماء الدنيا, وكان له سلطان الأرض, وهكذا روى الضحاك وغيره عن ابن عباس سواء. وقال صالح مولى التوأمة عن ابن عباس: إن من الملائكة قبيلاً يقال لهم الجن: وكان إبليس منهم, وكان يسوس ما بين السماء والأرض, فعصى, فمسخه الله شيطاناً رجيماً, رواه ابن جرير, وقال قتادة عن سعد بن المسيب: كان إبليس رئيس ملائكة سماء الدنيا, وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار حدثنا عدي بن أبي عدي عن عوف عن الحسن, قال: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط, وإنه لأصل الجن كما أن آدم أصل الإنس, وهذا الإسناد صحيح عن الحسن, وهكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم سواء. وقال شهر بن حوشب: كان إبليس من الجن الذين طردتهم الملائكة فأسره بعض الملائكة فذهب به إلى السماء, رواه ابن جرير. وقال سنيد بن داود: حدثنا هشيم أنبأنا عبد الرحمن بن يحيى عن موسى بن نمير وعثمان بن سعيد بن كامل عن سعد بن مسعود, قال: كانت الملائكة تقاتل الجن فسبي إبليس وكان صغيراً فكان مع الملائكة يتعبد معها فلما أمروا بالسجود لاَدم سجدوا, فأبى إبليس, فلذلك قال تعالى: {إلا إبليس كان من الجن} وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن القزاز حدثنا أبو عاصم عن شريك عن رجل عن عكرمة عن ابن عباس قال: إن الله خلق خلقاً فقال اسجدوا لاَدم فقالوا: لا نفعل فبعث الله عليهم ناراً فأحرقتهم, ثم خلق خلقاً آخر فقال: {إني خالق بشراً من طين} اسجدوا لاَدم قال: فأبوا فبعث الله عليهم ناراً فأحرقتهم, ثم خلق هؤلاء فقال اسجدوا لاَدم قالوا نعم, وكان إبليس من أولئك الذين أبوا أن يسجدوا لاَدم ـ وهذا غريب ولا يكاد يصح إسناده فإن فيه رجلاً مبهماً ومثله لا يحتج به, والله أعلم. وقال ابنأبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو أسامة حدثنا صالح بن حيان حدثنا عبد الله بن بريدة: قوله تعالى: {وكان من الكافرين} من الذين أبوا فأحرقتهم النار, وقال أبو جعفر رضي الله عنه عن الربيع عن أبي العالية {وكان من الكافرين} يعني من العاصين وقال السدي {وكان من الكافرين} الذين لم يخلقهم الله يومئذ يكونون بعد, وقال محمد بن كعب القرضي ابتدأ الله خلق إبليس على الكفر والضلالة وعمل بعمل الملائكة فصيره الله إلى ما أبدى عليه خلقه على الكفر, قال الله تعالى: {وكان من الكافرين} وقال قتادة في قوله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لاَدم} فكانت الطاعة لله والسجدة لاَدم, أكرم الله آدم أن أسجد له ملائكته, وقال بعض الناس كان هذا سجود تحية وسلام وإكرام كما قال تعالى: {ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا, وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حق} وقد كان هذا مشروعاً في الأمم الماضية ولكنه نسخ في ملتنا, قال معاذ: قدمت الشام فرأيتهم يسجدون لأساقفتهم وعلمائهم, فأنت يا رسول الله أحق أن يسجد لك, فقال: «لا لو كنت آمراً بشراً أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها» ورجحه الرازي, وقال بعضهم بل كانت السجدة لله وآدم قبلة فيها كما قال تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} وفي هذا التنظير نظر, والأظهر أن القول الأول أولى, والسجدة لاَدم إكراماً وإعظاماً واحتراماً وسلاماً, وهي طاعة لله عزّ وجلّ لأنها امتثال لأمره تعالى, وقد قواه الرازي في تفيسره وضعف ما عداه من القولين الاَخرين وهما كونه جعل قبلة إذ لا يظهر فيه شرف والاَخر أن المراد بالسجود الخضوع لا الانحناء ووضع الجبهة على الأرض وهو ضعيف كما قال, وقال قتادة في قوله تعالى: {فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين} حسد عدو الله إبليس آدم عليه السلام ما أعطاه من الكرامة, وقال: أنا ناري وهذا طيني, وكان بدء الذنوب الكبر, استكبر عدو الله أن يسجد لاَدم عليه السلام, قلت وقد ثبت في الصحيح «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر» وقد كان في إبليس من الكبر ـ والكفر ـ والعناد ما اقتضى طرده وإبعاده عن جناب الرجمة وحضرة القدس, قال بعض المعربين وكان من الكافرين أي وصار من الكافرين بسبب امتناعه كما قال {فكان من المغرقين} وقال: {فتكونا من الظالمين} وقال الشاعر:
بتيهاء قفر والمطي كأنهاقطا الحزن قد كانت فراخاً بيوضها
أي قد صارت وقال ابن فورك: تقديره وقد كان في علم الله من الكافرين, ورجحه القرطبي, وذكر ههنا مسألة فقال: قال علماؤنا من أظهر الله على يديه ممن ليس بنبي كرامات وخوارق للعادات فليس ذلك دالاً على ولايته خلافاً لبعض الصوفية والرافضة هذا لفظه, ثم استدل على ما قال: بأنا لا نقطع بهذا الذي جرى الخارق على يديه أن يوافي الله بالإيمان وهو لا يقطع لنفسه لذلك يعني والولي الذي يقطع له بذلك في نفس الأمر قلت وقد استدل بعضهم على أن الخارق قد يكون على يدي غير الولي بل قد يكون على يد الفاجر والكافر أيضاً بما ثبت عن ابن صياد أنه قال: هو الدخ حين خبأ له رسول الله صلى الله عليه وسلم {فارتقب يوم تأت السماء بدخان مبين} وبما كا يصدر عنه أنه كان يملأ الطريق إذا غضب حتى ضربه عبد الله بن عمر, وبما ثبت به الأحاديث عن الدجال بما يكون على يديه من الخوارق الكثيرة من أنه يأمر السماء أن تمطر فتمطر, والأرض أن تنبت فتنبت, وتتبعه كنوز الأرض مثل اليعاسيب, وأنه يقتل ذلك الشاب ثم يحييه إلى غير ذلك من الأمور المهولة. وقد قال يونس بن عبد الأعلى الصدفي قلت للشافعي كان الليث بن سعد يقول: إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة, فقال الشافعي: قصر الليث رحمه الله, بل إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة وقد حكى الرازي وغيره قولين للعلماء: هل المأمور بالسجود لاَدم خاص بملائكة الأرض أو عام في ملائكة السموات والأرض, وقد رجح كلا من القولين طائفة, وظاهر الاَية الكريمة العموم {فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس} فهذه أربعة أوجه مقوية للعموم, والله أعلم.

** وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـَذِهِ الشّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظّالِمِينَ * فَأَزَلّهُمَا الشّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرّ وَمَتَاعٌ إِلَىَ حِينٍ
يقول الله تعالى إخباراً عما أكرم به آدم: بعد أن أمر الملائكة بالسجود له فسجدوا إلا إبليس وأنه أباح له الجنة يسكن منها حيث يشاء ويأكل منها ما شاء رغداً أي هنيئاً واسعاً طيباً: وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه من حديث محمد بن عيسى الدامغاني, حدثنا سلمة بن الفضل عن ميكائيل عن ليث عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر, قال: قلت يا رسول الله أريت آدم أنبياً كان ؟ قال: «نعم نبياً رسولاً كلمه الله قبلاً» ـ يعني عياناً ـ فقال: {اسكن أنت وزوجك الجنة} وقد اختلف في الجنة التي أسكنها آدم أهي في السماء أم في الأرض ؟ والأكثرون على الأول, وحكى القرطبي عن المعتزلة والقدرية القول بأنها في الأرض, وسيأتي تقرير ذلك في سورة الأعراف إن شاء الله تعالى, وسياق الأية يقتضي أن حواء خلقت قبل دخول آدم الجنة وقد صرح بذلك محمد بن إسحاق حيث قال: لما فرغ الله من معاتبة إبليس أقبل على آدم وقد علمه الأسماء كلها فقال يا آدم أنبئهم بأسمائهم إلى قوله: {إنك أنت العليم الحكيم} قال ثم ألقيت السنة على آدم فيما بلغنا عن أهل الكتاب من أهل التوراة وغيرهم من أهل العلم عن ابن عباس وغيره, ثم أخذ ضلعاً من أضلاعه من شقه الأيسر ولأم مكانه لحماً, وآدم نائم لم يهب من نومه حتى خلق الله من ضلعه تلك زوجته حواء فسواها امرأة ليسكن إليها, فلما كشف عنه السنة وهب من نومه رآها إلى جنبه فقال فيما يزعمون والله أعلم «لحمي ودمي وزوجتي» فسكن إليها, فلما زوجه الله وجعل له سكناً من نفسه قال له قبلاً: {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين} ويقال إن خلق حواء كان بعد دخول الجنة كما قال السدي في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة وعن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة: أخرج إبليس من الجنة وأسكن آدم الجنة فكان يمشي فيها وجشاً ليس له زوج يسكن إليه فنام نومة فاستيقظ وعند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه, فسألها: ما أنت ؟ قالت امرأة, قال: ولم خلقت ؟ قالت لتسكن إلي. قالت له الملائكة ينظرون ما بلغ من علمه, ما اسمها يا آدم, قال: حواء, قالوا: ولِمَ سميت حواء ؟ قال: إنها خلقت من شيء حي. قال الله: {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتم}.
وأما قوله: {ولا تقربا هذه الشجرة} فهو اختبار من الله تعالى وامتحان لاَدم وقد اختلف في هذه الشجرة ما هي, فقال السدي عمن حدثه عن ابن عباس: الشجرة التي نهي عنها آدم عليه السلام هي الكرم, وكذا قال سعيد بن جبير والسدي والشعبي وجعدة بن هبيرة ومحمد بن قيس, وقال السدي أيضاً في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مره عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة {ولا تقربا هذه الشجرة} هي الكرم. وتزعم يهود أنها الحنطة. وقال ابن جرير وابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن اسماعيل بن سمرة الأحمسي حدثنا أبو يحيى الحماني حدثنا النضر أبو عمر الخراز عن عكرمة عن ابن عباس قال: الشجرة التي نهي عنها آدم عليه السلام هي السنبلة, وقال عبد الرزاق أنبأنا ابن عيينة وابن المبارك عن الحسن بن عمارة عن المنهال بن عمر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: هي السنبلة وقال محمد بن إسحاق عن رجل من أهل العلم عن حجاج عن مجاهد عن ابن عباس قال: هي البر وقال ابن جرير: وحدثني المثنى بن إبراهيم, حدثنا مسلم بن إبراهيم, حدثنا القاسم حدثني رجل من بني تميم أن ابن عباس كتب إلى أبي الجلد يسأله عن الشجرة التي أكل منها آدم والشجرة التي تاب عندها آدم فكتب إليه أبو الجلد سألتني عن الشجرة التي نهي عنها آدم وهي السنبلة, وسألتني عن الشجرة التي تاب عندها آدم وهي الزيتونة, وكذلك فسره الحسن البصري ووهب بن منبه وعطية العوفي وأبو مالك ومحارب بن دثار وعبد الرحمن بن أبي ليلى, وقال محمد بن إسحاق عن بعض أهل اليمن عن وهب بن منبه أنه كان يقول هي البر ولكن الحبة منها في الجنة كَكُلَىَ البقر وألين من الزبد وأحلى من العسل, وقال سفيان الثوري عن حصين عن أبي مالك {ولا تقربا هذه الشجرة} قال النخلة: وقال ابن جرير عن مجاهد {ولا تقربا هذه الشجرة} قال التينة, وبه قال قتادة وابن جريج, وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية كانت الشجرة من أكل منها أحدث, ولا ينبغي أن يكون في الجنة حدث, وقال عبد الرزاق: حدثنا عمر بن عبد الرحمن بن مهران قال: سمعت وهب بن منبه يقول: لما أسكن الله آدم وزوجته الجنة ونهاه عن أكل الشجرة, وكانت شجرة غصونها متشعب بعضها من بعض, وكان لها ثمر تأكله الملائكة لخلدهم وهي الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته.
فهذه أقوال ستة في تفسير هذه الشجرة. قال الإمام أبو جعفر بن جرير رحمه الله: والصواب في ذلك أن يقال إن الله عز وجل ثناؤه: نهى آدم وزوجته عن أكل شجرة بعينها من أشجار الجنة دون سائر أشجارها فأكلا منها ولا علم عندنا بأي شجرة كانت على التعيين, لأن الله لم يضع لعباده دليلاً على ذلك في القرآن ولا من السنة الصحيحة, وقد قيل: كانت شجرة البر وقيل كانت شجرة العنب وقيل كانت شجرة التين, وجائز أن تكون واحدة منها, وذلك علم إذا علم لم ينفع العالم به علمه, وإن جهله جاهل لم يضره جهله به, والله أعلم, وكذلك رجح الإبهام الرازي في تفسيره وغيره وهو الصواب, وقوله تعالى: {فأزلهما الشيطان عنه} يصح أن يكون الضمير في قوله عنها عائداً إلى الجنة فيكون معنى الكلام كما قرأ عاصم بن بهدلة وهو ابن أبي النجود فأزالهما أي فنحاهما: ويصح أن يكون عائداً على أقرب المذكورين وهو الشجرة فيكون معنى الكلام كما قال الحسن وقتادة فأزلهما أي من قبل الزلل, فعلى هذا يكون تقدير الكلام {فأزلهما الشيطان عنه} أي بسببها, كما قال تعالى: {يؤفك عنه من أفك} أي يصرف بسببه من هو مأفوك, ولهذا قال تعالى {فأخرجهما مما كانا فيه} أي من اللباس والمنزل الرحب والرزق الهنيء والراحة {وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ ولكم في الأرض مستقرّ ومتاع إلى حين} أي قرار وأرزاق وآجال ـ إلى حين ـ أي إلى وقت ومقدار معين ثم تقوم القيامة, وقد ذكر المفسرون من السلف كالسدي بأسانيده وأبي العالية ووهب بن منبه وغيرهم ههنا أخباراً إسرائيلية عن قصة الحية وإبليس, وكيف جرى من دخول إبليس إلى الجنة ووسوسته, وسنبسط ذلك إن شاء الله في سورة الأعراف فهناك القصة أبسط منها ههنا, والله الموفق, وقد قال ابن أبي حاتم ههنا: حدثنا علي بن الحسن بن إشكاب, حدثنا علي بن عاصم عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق آدم رجلاً طوالاً كثير شعر الرأس كأنه نخلة سحوق فلما ذاق الشجرة سقط عنه لباسه, فأول ما بدا منه عورته, فلما نظرإلى عورته جعل يشتد في الجنة فأخذت شعره شجرة فنازعها فناداه الرحمن: يا آدم مني تفر» فلما سمع كلام الرحمن قال: يا رب لا, ولكن استحياء. قال: وحدثني جعفر بن أحمد بن الحكم القرشي سنة أربع وخمسين ومائتين, حدثنا سليمان بن منصور بن عمار حدثنا علي بن عاصم عن سعيد عن قتادة عن أبي بن كعب, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما ذاق آدم من الشجرة فر هارباً فتعلقت شجرة بشعره فنودي: يا آدم أفراراً مني ؟ قال: بل حياء منك, قال: يا آدم اخرج من جواري فبعزتي لا يساكنني فيها من عصاني, ولو خلقت مثلك ملء الأرض خلقاً ثم عصوني لأسكنتهم دار العاصين» هذا حديث غريب وفيه انقطاع بل إعضال بين قتادة وأبي بن كعب رضي الله عنهما. وقال الحاكم حدثنا أبو بكر بن بَالُوَيه عن محمد بن أحمد بن النضر عن معاوية بن عمرو عن زائدة عن عمار بن أبي معاوية البجلي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس, قال: ما أسكن آدم الجنة إلا ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس, ثم قال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال عبد بن حميد في تفسيره حدثنا روح عن هشام عن الحسن, قال: لبث آدم في الجنة ساعة من نهار تلك الساعة ثلاثون ومائة سنة من أيام الدنيا. وقال أبو جعفر الرازي, عن الربيع بن أنس, قال: خرج آدم من الجنة للساعة التاسعة أو العاشرة فأخرج آدم معه غصناً من شجر الجنة على رأسه تاج من شجر الجنة وهو الإكليل من ورق الجنة. وقال السدي: قال الله تعالى: {اهبطوا منها جميع} فهبطوا ونزل آدم بالهند ونزل معه الحجر الأسود وقبضة من ورق الجنة, فبثه بالهند فنبتت شجرة الطيب فإنما أصل ما يجاء به من الطيب من الهند من قبضة الورق التي هبط بها آدم, وإنما قبضها آدم أسفاً على الجنة حين أخرج منها, وقال عمران بن عيينة. عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس, قال: أهبط آدم من الجنة بِدَحْنا أرض الهند. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جريرعن عطاء عن سعيد عن ابن عباس قال: أهبط آدم عليه السلام إلى أرض يقال لها دحنا بين مكة والطائف. وعن الحسن البصري قال: أهبط آدم بالهند, وحواء بجدة, وإبليس بدستميسان من البصرة على أميال, وأهبطت الحية بأصبهان, رواه ابن أبي حاتم. وقال محمد بن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عمار بن الحارث حدثنا محمد بن سابق حدثنا عمر بن أبي قيس عن الزبير بن عدي عن ابن عمر قال: أهبط آدم بالصفا وحواء بالمروة. وقال رجاء بن سلمة أهبط آدم عليه السلام يداه على ركبتيه مطأطئاً رأسه, وأهبط إبليس مشبكاً بين أصابعه رافعاً رأسه إلى السماء وقال عبد الرزاق قال معمر أخبرني عوف عن قسامة بن زهير عن أبي موسى, قال: إن الله حين أهبط آدم من الجنة إلى الأرض علمه صنعة كل شيء وزوده من ثمار الجنة, فثماركم هذه من ثمار الجنة غير أن هذه تتغير وتلك لا تتغير, وقال الزهري عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها» رواه مسلم والنسائي. وقال الرازي: أعلم أن في هذه الاَية تهديداً عظيماً عن كل المعاصي من وجوه (الأول) أن من تصور ما جرى على آدم بسبب إقدامه على هذه الزلة الصغيرة كان على وجل شديد من المعاصي, قال الشاعر:
يا ناظراً يرنو بعيني راقدومشاهداً للأمر غير مشاهدتصل الذنوب إلى الذنوب وترتجيدرج الجنان ونيل فوز العابدأنسيت ربك حين أخرج آدمامنها إلى الدنيا بذنب واحد

وقال ابن القاسم:
ولكننا سبي العدو فهل ترىنعود إلى أوطاننا ونسلم

قال الرازي عن فتح الموصلي أنه قال: كنا قوماً من أهل الجنة فسبانا إبليس إلى الدنيا, فليس لنا إلا الهم والحزن حتى نرد إلى الدار التي أخرجنا منها. فإن قيل: فإذا كانت جنة آدم التي أخرج منها في السماء كما يقوله الجمهور من العلماء, فكيف تمكن إبليس من دخول الجنة, وقد طرد من هنالك طرداً قدرياً, والقدري لا يخالف ولا يمانع ؟ فالجواب: أن هذا بعينه استدل به من يقول: إن الجنة التي كان فيها آدم في الأرض لا في السماء, كما قد بسطنا هذا في أول كتابنا البداية والنهاية, وأجاب الجمهور بأجوبة, أحدها: أنه منع من دخول الجنة مكرماً, فأما على وجه السرقة والإهانة, فلا يمتنع, ولهذا قال بعضهم: كما جاء في التوراة أنه دخل في فم الحية إلى الجنة. وقد قال بعضهم: يحتمل أنه وسوس لهما وهو خارج باب الجنة. وقال بعضهم: يحتمل أنه وسوس لهما وهو في الأرض, وهما في السماء, ذكرها الزمخشري وغيره. وقد أورد القرطبي ههْنا أحاديث في الحيات وقتلهن وبيان حكم ذلك, فأجاد وأفاد.

** فَتَلَقّىَ آدَمُ مِن رّبّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنّهُ هُوَ التّوّابُ الرّحِيمُ
قيل إن هذه الكلمات مفسرة بقوله تعالى: {قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} وروي هذا عن مجاهد وسعيد بن جبير وأبي العالية والربيع بن أنس والحسن وقتادة ومحمد بن كعب القرظي وخالد بن معدان وعطاء الخراساني وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم, وقال أبو إسحاق السبيعي عن رجل من بني تميم قال: أتيت ابن عباس فسألته ما الكلمات التي تلقى آدم من ربه ؟ قال: علم شأن الحج, وقال سفيان الثوري عن عبد العزيز بن رفيع, أخبرني من سمع عبيد بن عمير, وفي رواية قال أخبرني مجاهد عن عبيد بن عمير, أنه قال: قال آدم: يا رب خطيئتي التي أخطأت شيء كتبته علي قبل أن تخلقني أو شيء ابتدعته من قبل نفسي ؟ قال «بل شيء كتبته عليك قبل أن أخلقك» قال: فكما كتبته علي فاغفر لي, قال: فذلك قوله تعالى: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه} وقال السدي عمن حدثه عن ابن عباس فتلقى آدم من ربه كلمات, قال: قال آدم عليه السلام: يا رب ألم تخلقني بيدك ؟ قيل له: بلى, ونفخت فيّ من روحك ؟ قيل له بلى, وعطست فقلت يرحمك الله, وسبقت رحمتك غضبك ؟ قيل له: بلى, وكتبت علي أن أعمل هذا ؟ قيل له: بلى, قال: أرأيت إن تبت هل أنت راجعي إلى الجنة ؟ قال: نعم. وهكذا رواه العوفي وسعيد بن جبير وسعيد بن معبد عن ابن عباس بنحوه, ورواه الحاكم في مستدركه من حديث ابن جبير عن ابن عباس, وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه, وهكذا فسره السدي وعطية العوفي, وقد روى ابن أبي حاتم ههنا حديثاً شبيهاً بهذا فقال: حدثنا علي بن الحسين بن إشكاب, حدثنا علي بن عاصم عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن أبي بن كعب, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قال آدم عليه السلام: أرأيت يا رب إن تبت ورجعت أعائدي إلى الجنة ؟» قال: نعم فذلك قوله {فتلقى آدم من ربه كلمات} وهذا حديث غريب من هذا الوجه وفيه انقطاع, وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى: فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه. قال: إن آدم لما أصاب الخطيئة قال: أرأيت يا رب إن تبت وأصلحت ؟ قال الله «إذاً أدخلك الجنة» فهي الكلمات ومن الكلمات أيضاً {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه كان يقول في قول الله تعالى: فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه, قال: كلمات: اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك, رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الغافرين, اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك, رب إني ظلمت نفسي فارحمني إنك خير الراحمين, اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك, رب إني ظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم. وقوله تعالى {إنه هو التواب الرحيم} أي إنه يتوب على من تاب إليه وأناب كقوله {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده} وقوله: {ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه} الاَية, وقوله: {ومن تاب وعمل صالح} وغير ذلك من الاَيات الدالة على أنه تعالى يغفر الذنوب, ويتوب على من يتوب, وهذا من لطفه بخلقه ورحمته بعبيده, لا إله إلا هو التواب الرحيم.